بقلم: ريتشارد هاس
بعد قرن من جلوس وزيرى الخارجية البريطانى والفرنسى لرسم خريطة الشرق الأوسط، تنهار المنطقة التى صنعاها ساعة بعد ساعة، وتكبر احتمالية استمرار الحروب السياسية والدينية طويلاً داخل الحدود وعبرها وبما يتضمن قوات محلية وأجنبية وميليشيات وحكومات.
وهناك تفسيرات عدة لما وصلنا إليه، فالقرار الأمريكى فى 2003 بالإطاحة بنظام صدام حسين فى العراق، ثم السياسات التى عززت الصراع الطائفى بدلاً من الهوية الوطنية يعد أحد تلك التفسيرات.
وهذا أيضا ساعد على تأسيس منطقة لا تجد فيها إيران قيوداً كثيرة على قدرتها على دعم الفصائل الشيعية فى العراق، التى كانت حتى ذلك الوقت المنافس الأساسى إقليمياً وبشكل مطلق.
ثم يأتى نصيب حكومة باراك أوباما من المسئولية، فبعد وراثتها عراقاً محسناً بفضل الطفرة التى قامت بها حكومة جورج بوش، كان ينبغى أن تضغط أكثر حتى تخلف قوات امريكية أو دولية فى البلاد، وهذا التواجد كان من شأنه تثبيط المنافسين المحليين وتدريب الجيش العراقي.
كما كان يمكن له القيام بالمزيد فى سوريا المجاورة منذ ان قرر ضرورة رحيل نظام بشار الأسد، وبعدم اتخاذه إجراء مباشراً حيال استخدام الأسد أسلحة كيميائية، وعدم تقديمه مساعدة عسكرية لمعارضيه من غير المتطرفين، ساعد أوباما على خلق فراغ سده بشكل متزايد الجهاديون المتطرفون مثل الدولة الإسلامية فى العراق والشام والمعروفة بـ «داعش».
كما لا يمكن أن يهرب العراقيون أيضا من المسئولية، فقد حكم رئيس الوزراء نورى المالكى وفق منظور طائفى ضيق، لذا لا ينبغى أن نندهش بسبب انهيار القوات العسكرية الوطنية من أول مواجهة مع العدو، خاصة وأن الولاء للحكومة ضعيف، والعراقيون ينظرون لأنفسهم من منظور دينى أو قبلى أو عرقى أكثر من كونهم مواطنين فى دولة.
ولكن ما الذى يجب القيام به؟ هناك دعوات لمهاجمة داعش مباشرة أو تعزيز الدعم للحكومة العراقية أو مزيج من الاثنين، وهذه الإجراءات من شأنها إبطاء سرعة تقدم داعش، ولكن من غير الواضح إذا كانوا سيحدثون فرقاً حاسماً أو دائماً.
ومع ذلك، لا توجد أى مساعدة خارجية يمكن أن تكون بديلا عن حكومة تتصرف بطريقة تجعل كل العراقيين مستعدين للقتال من أجلها.
لذا، فإن المسألة مسألة وقت قبل أن نرى تفكك العراق إلى جنوب تسيطر عليه إيران عبر الأغلبية الشيعية، ومنطقة كردية مستقلة بالفعل فى الشمال، ومنطقة فى الشمال الغربى لبغداد تتنافس عليها داعش والحكومة العراقية المدعومة من إيران.
وقد تساعد التحركات الأمريكية فى هذا السيناريو الحكومة العراقية قليلاً، ولكن هذا إن وسعت الحكومة من قاعدتها السياسة بشكل ذي معنى، وبدلا من ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تقوم ببساطة بهجمات مضادة للإرهاب كما هو مطلوب، كما ينبغى على أمريكا أيضا دعم المنطقة الكردية، ربما من خلال ربط المساعدات بتعهد الاكراد بعدم توسيع «دولتهم» الفعلية وراء حدود العراق خشية أن تنضم تركيا وغيرها للمعركة.
فهذا قد يتسبب فى سياسات إقليمية حرجة، وسوف يضع الولايات المتحدة فى نفس صف إيران، رغم أنها تقف ضد إيران فى سوريا فى وجه نفس القوى تقريبا، كما أن اتخاذ أى خطوة عسكرية سوف يتعارض مع رغبة أوباما فى تنفيذ رغبة الشعب الأمريكى فى تجنب المزيد من الانخراط فى الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لا ينبغى أن تقصر الولايات المتحدة وشركاؤها مجهوداتهم على العراق، بل ينبغى توفير المساعدة الحقيقية للمعارضين فى سوريا من غير الجهاديين، كما ينبغى تقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية للأردن المثقل بالفعل جراء ملايين اللاجئين السوريين.
وسوف تحتاج الإدارة الامريكية إلى إعادة التفكير فى قرارها بسحب كل القوات الامريكية من أفغانستان بنهاية 2016، فقد كان خطأ، ولا يزال تحديد السياسات وفقا للتقويم السنوى بدلا من الظروف المحلية، ومن الخطأ أن تتخذ أمريكا قرارا سياسيا أحادى الجانب بدلا من التشاور مع الحكومة فى كابول.
وتتخطى المخاطر فى أفغانستان نظيرتها فى العراق، لأن العواقب ستكون سيئة ليس فقط على هذه الدولة وإنما على جارتها باكستان المسلحة نووياً، والمتخمة بالمسلحين.
والشيء الوحيد الأكيد حالياً هو أن الشرق الأوسط القديم يتفكك، ويكمن السؤال فى ماذا سيحل محله.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق