الاثنين، 31 مارس 2014

درء المفاسد مقدم على جلب المصالح في قانون المناقصات

لازلنا نعيش تبعات قرار الحكومة، بتعديل بعض أحكام قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 1998 في 11 سبتمبر 2013 حيث تضمن التعديل أنه يعمل بأحكام هذا القانون في شأن تنظيم المناقصات ، ليسمح في الحالات العاجلة، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء على ترخيص من الوزير أو المسئول المختص.

وحسب القرار المنشور في الجريدة الرسمية، فقد شمل التعديل المادة الأولى “فقرة أولى”، حيث نص على أن “يعمل بأحكام القانون المرافق في شأن تنظيم المناقصات والمزايدات وتسري أحكامه علي وحدات الجهاز الإداري للدولة من وزارات ومصالح وأجهزة لها موازنات خاصة وعلي وحدات الإدارات المحلية وعلي الهيئات العامة خدمية كانت أو اقتصادية، وذلك فيما لم يرد بشأنه نص خاص في القوانين أو القرارات الصادرة بإنشائها أو بتنظيمها أو في لوائحها الصادرة بناء علي تلك القوانين والقرارات”.


أما تعديل المادة 7 “الفقرة الأولي على أنه: “يجوز في الحالات العاجلة التي لا تحتمل إتباع إجراءات المناقصة أو الممارسة بجميع أنواعها، أن يتم التعاقد بطريق الاتفاق المباشر بناء علي ترخيص من رئيس الهيئة أو رئيس المصلحة ومن له سلطاته في الجهات الأخرى وذلك فيما لا تجاوز قيمته 500 ألف جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل ومليون جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال، بالإضافة إلي الوزير المختص ومن له سلطاته أو المحافظ فيما لا تجاوز قيمته 5 ملايين جنيه بالنسبة لشراء المنقولات أو تلقي الخدمات أو الدراسات الاستشارية أو الأعمال الفنية أو مقاولات النقل و10 ملايين جنيه بالنسبة لمقاولات الأعمال. وأخيرا الوزير المختص بالصحة والسكان بالنسبة للأمصال واللقاحات والعقاقير الطبية ذات الطبيعة الإستراتيجية وألبان الأطفال وفقا للضوابط والشروط التي تحددها اللائحة التنفيذية”.


وبهذا القانون تخضع أنشطة الهيئات المصرية العامة للأحكام الخاصة بها. ومن ضمن تلك الهيئات هيئة المجتمعات العمرانية، وهيئة الثروة السمكية التي تتحكم في الشواطئ والأراضي، وهيئة الثروة التعدينية التي تضع يدها علي المحاجر والمناجم، الهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي…….


هل من حق هذا الشعب في ظل غياب دور مجلس الشعب الرقابي على السلطة التنفيذية أن يعرف عدد التعاقدات الحكومية التي تمت بالاتفاق المباشر وقيمتها منذ صدور هذا القانون وحتى الآن ،بالتأكيد المنوط بة الإجابة على هذا السؤال هو الجهاز المركزي للمحاسبات. للإجابة على عدة تساؤلات منها هل فعلا تفادى التعديل في هذا القانون مشكلات الهيئات في تطبيق البنود القديمة للقانون رقم 89 لسنة 1998 ، وهل كان هناك ضرورة ملحة خلال هذه المرحلة لهذا التعديل وهل فعلا تم تسيير الأعمال العاجلة في هذه الهيئات بسبب ما يواجهه الاقتصاد المصري من كبوات قد تحتاج في بعض الحالات العاجلة إلى سرعة في التصرف وهل هناك بعض الأعمال التي لا تتوافر لتقديمها إلا شركة أو جهة واحدة على مستوى العالم كله كما كانوا يقولون ، هل فعلاً هناك أعمال لا يصلح فيها نظام المناقصات والمزايدات وماذا عن الحديث الكثير أثناء صدور هذا القانون عن أهمية الثقة في القيادات التي نقوم باختيارها، وأنها لن تستخدم هذه القوانين ولا تقوم بعمل أي استثناءات، إلا فيما يصلح وفى أضيق الحدود كما نص القانون، وأهم سؤال هل تم تفعيل الأدوات والأجهزة الرقابية كما قيل حيث إن من يثبت تورطه بالمستندات والأدلة في الإضرار بالمال العام تتم محاسبته دون استثناء أحد ، أم أن هذه التصريحات كانت تتناسب مع مرحلة إصدار أو تعديل أي قانون إلى أن يمر ويصبح واقعاً .


من أشار على الحكومة بهذا التعديل علية يتحمل وزر وتبعات إصدار هذا القانون حيث أنة يفتح باباً جديداً للوساطة والمحسوبية والفساد في ظل عدم وجود أجهزة رقابية فعالة تنسق فيما بينها ليتكامل دورها الرقابي على شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال ، وكان يجب أن يعلم هؤلاء أن السماح بالإسناد بالأمر المباشر سيكون ثغرة لإهدار المزيد من المال العام داخل هذه الشركات.


وكنا قد تحدثنا في الماضي عن معنى كلمة الحالات العاجلة الواردة بالقانون حيث إنها فضفاضة ومن الصعب تحديدها بدقة، خاصة إذا كان من يحدد مدى عجلة هذه الحالات هو الشخص نفسه الذي يحق له الإسناد بالأمر المباشر «رئيس الهيئة أو المصلحة أو الوزير المختص ».


بهذا التعديل ينتهي الحوار حول ما يطلق علية تنافسية الأسعار والسوق الحر بالنسبة للمشروعات الحكومية التي تُطرح بنظام المناقصات والمزايدات والتي يكون الغرض منها الحصول على أفضل العروض بأقل الأسعار. هذا القانون تم صدوره منذ ستة أشهر والحوار كثير هذه الأيام عن تعديل قانون حوافز الاستثمار وبنفس الطريقة والأسلوب هل تعد هذه التعديلات وغيرها إعلان واضح وصريح للتصالح مع الفساد والمفسدين ،أم هي محاولة لمغازلة لتسهيل الإجراءات وجذب الاستثمارات ، وطمأنة المستثمرين بما فيهم المفسدين بأن عقود الأراضي التي حصلوا عليها في عهد مبارك لن يتم المساس بها.


هناك عدة قضايا يجب أن تكون على رأس أولوياتنا، تنشيط الاقتصاد والمساهمة في إيجاد حلول لمشكلات البطالة وإصلاح دعم الطاقة والأجور والاهتمام بالمواطن المصري، وأن يكون محور أي سياسة أو قرار يتخذ هو مصلحة الوطن ويجب أن نتجنب الأخطار الناتجة عن سوء هيكلة البيئة الرقابية والتشريعية والقانونية في مصر في كل قراراتنا .


للأسف مازلت هناك فجوة كبيرة جدا بين ما نريد وما يتم على أرض الواقع نحن بحاجة إلى حكومة لها رؤى كاملة وصلاحيات وآليات تنفيذ على ارض الواقع وتكون متفاهمة وليس لها مصالح حزبية أو سياسية فالجميع يعمل فيها طبقا لأجندة وطنية قومية تضع مصالح الوطن والمصريين على قمة أولوياتها.


لسنا بحاجة الآن إلى “ترقيع قانون بعينة ” مر عليه سنوات وسنوات ولا يناسب هذه المرحلة لان أغلب هذه القوانين إما منقولة أو مترجمة أو مصممة لتحقيق منافع شخصية أو لتخدم فئة معينة برعت في تفصيل القوانين حسب هوي النظام ورموزه، نحن فقط بحاجة إلى قانون وطنى “صنع في مصر ”


بقلم دكتور جميل جمال





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق